تفسير سورة المعارج ايه رقم 1 الى 18 الشيخ سيد قطب

Sunday, 12-May-24 02:34:36 UTC

ويقرر مصير المؤمنين كما قرر مصير المجرمين: (إن الإنسان خلق هلوعا:إذا مسه الشر جزوعا, وإذا مسه الخير منوعا. ظاهرة أخرى في هذا الإيقاع الموسيقي للسورة, الناشئ من بنائها التعبيري.. فقد كان التنوع الإيقاعي في الحاقة ناشئا من تغير القافية في السياق من فقرة لفقرة. والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون.

ومن ثم تكرر الأمر في هذا الشأن وتكرر التحذير. تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, فاصبر صبرا جميلا, إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا).. والأرجح أن اليوم المشار إليه هنا هو يوم القيامة, لأن السياق يكاد يعين هذا المعنى. يوم تكون السماء كالمهل. يرسم مشاهده في مجالي الكون وأغوار النفس. ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه).

إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون. وفق المعنى والجو فيه.. فأما هنا في سورة المعارج فالتنوع أبعد نطاقا, لأنه يشمل تنوع الجملة الموسيقية كلها لا إيقاع القافية وحدها. وهو واقع من الله (ذي المعارج).. وهو تعبير عن الرفعة والتعالي, كما قال في السورة الأخرى: (رفيع الدرجات ذو العرش).. سورة المعارج تفسير. وبعد هذا الافتتاح الذي يقرر كلمة الفصل في موضوع العذاب, ووقوعه, ومستحقيه, ومصدره, وعلو هذا المصدر ورفعته, مما يجعل قضاءه أمرا علويا نافذا لا مرد له ولا دافع.. بعد هذا أخذ في وصف ذلك اليوم الذي سيقع فيه هذا العذاب, والذي يستعجلون به وهو منهم قريب. وهو متصل اتصالا وثيقا بمحور السورة الأصيل. والآن نستعرض السورة تفصيلا... الدرس الأول:1 - 18 قرب وقوع يوم القيامة والهول في مشاهده.

إلا المصلين, الذين هم على صلاتهم دائمون.. الخ.. واستطرد السياق فصور هنا صفات النفوس المؤمنة وسماتها الظاهرة والمضمرة تمشيا مع طبيعة السورة وأسلوبها: (إلا المصلين. وإنما أفرد بالذكر بعد الملائكة لما له من شأن خاص. إن عذاب ربهم غير مأمون. والقرآن يقرر في مواضع مختلفة أن أحداثا كونية كبرى ستقع في هذا اليوم, تغير أوضاع الأجرام الكونية وصفاتها ونسبها وروابطها. قوله تعالى: {يوم تكون السماء كالمهل} المهل المذاب من المعدنيات كالنحاس والذهب وغيرهما، وقيل: دردي الزيت، وقيل: عكر القطران. أقول: وروى هذا المعنى في روضة الكافي عن حفص بن غياث عنه. فهي دعوة الله, وهي دعوة إلى الله. فكل ما يلقاه فيها فهو في سبيل الله, وكل ما يقع في شأنها هو من أمر الله. انتهى، وذكر بعضهم أن الفصيلة عشيرته الأقربين الذين فصل عنهم كالآباء الأدنين. تفسير سورة المعارج pdf. والذين يصدقون بيوم الدين. وحقيقة الآخرة هي ذاتها التي تصدت لها سورة الحاقة, ولكن هذه السورة تعالجها بطريقة أخرى, وتعرض لها من زاوية جديدة, وصور وظلال جديدة.. في سورة الحاقة كان الاتجاه إلى تصوير الهول والرعب في هذا اليوم, ممثلين في حركات عنيفة في مشاهد الكون الهائلةفإذا نفخ في الصور نفخة واحدة, وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. وتصور هذه الحقيقة قريب جدا الآن. الدرس الثاني:19 - 35 من طبيعة النفس الإنسانية التي يهذبها الإسلام وصفات الصالحين.

فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأمرتنا بالجهاد والحج والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟ فقال: والله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله". مما هو ظاهر لمن يتتبع التحذير من الربا, ومن أكل أموال الناس بالباطل, ومن أكل أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن يكبروا! وفي الآيتين تعليل أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر الجميل فإن تحمل الأذى والصبر على المكاره يهون على الإِنسان إذا استيقن أن الفرج قريب وتذكر ذلك فالكلام في معنى قولنا فاصبر على تعنتهم واستكبارهم في سؤالهم العذاب صبراً جميلاً لا يشوبه جزع وشكوى فإنا نعلم أن العذاب قريب على خلاف ما يستبعدونه، وعلمنا لا يتخلف عن الواقع بل هو نفس الواقع. مع تنوع الإيقاع في الداخل. الّذي يعطيه سياق السورة أنها تصف يوم القيامة بما أُعدَّ فيه من أليم العذاب للكافرين. ذات نفس حية تشارك في الهول والعذاب عن إرادة وقصد: تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى.. تدعوه كما كان يدعى من قبل إلى الهدى فيدبر ويتولى. الأنفال: 32] وقد تقدّم في تفسير الآية أن سياقها والّتي بعدها سياق مدنيّ لا مكيّ. وهي حقيقة تختلف حين تكون مؤمنة وحين تكون خاوية من الإيمان. وفيه في قوله تعالى: {تدعو من أدبر وتولى} قال: تجره إليها. وتارة يتخلل مساربها ودروبها ومنحنياتها فيلقي عليها الأضواء التي تكشفها لذاتها فترى ما يجري في داخلها رأي العين, وتخجل من بعضه, وتكره بعضه, وتتيقظ لحركاتها وانفعالاتها التي كانت غافلة عنها!.. والذي يقرأ هذا القرآن - وهو مستحضر في ذهنه لأحداث السيرة - يشعر بالقوة الغالبة والسلطان البالغ الذي كان هذا القرآن يواجه به النفوس في مكة ويروضها حتى تسلس قيادها راغبة مختارة. تفسير سورة المعارج للاطفال. وليس له وراءها من غاية. والله صاحب الدعوة التي يقف لها المكذبون, وصاحب الوعد الذي يستعجلون به ويكذبون, يقدر الأحداث ويقدر مواقيتها كما يشاء وفق حكمته وتدبيره للكون كله.

كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18). فالصبر الجميل إذن ينبعث متناسقا مع هذه الحقيقة, ومع الشعور بها في أعماق الضمير. مع اتحاد الحقيقة الرئيسية التي تعرضها السورتان في هذه المشاهد. تقديم لسورة المعارج. تبتدئ السورة فتذكر سؤال سائل سأل عذاباً من الله للكافرين فتشير إلى أنّه واقع ليس له دافع قريب غير بعيد كما يحسبونه ثمّ تصف اليوم الذي يقع فيه والعذاب الذي أُعدّ لهم فيه وتستثني المؤمنين الذين قاموا بوظائف الاعتقاد الحقّ والعمل الصالح. ونراه قريبا).. حيث يتكرر الإيقاع بمد الألف مرتين. والذين هم من عذاب ربهم مشفقون. فقد كانت بيئة مشغولة بجمع المال من التجارة ومن الربا. الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ). الأنفال: 4] وقال: { رفيع الدرجات ذو العرش}. والآن وقد انتهى من تصوير الهول في مشاهد ذلك اليوم, وفي صورة ذلك العذاب; فإنه يتجه إلى تصوير حقيقة النفس البشرية في مواجهة الشر والخير, في حالتي إيمانها وخلوها من الإيمان. وتقريرا للحقيقة الأخرى:وهي أن تقدير الله للأمور غير تقدير البشر; ومقاييسه المطلقة غير مقاييسهم الصغيرة: (إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا).. ثم يرسم مشاهد اليوم الذي يقع فيه ذلك العذاب الواقع, الذي يرونه بعيدا ويراه الله قريبا. يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ.

ببنيه} الذين هم أحب الناس عنده {وصاحبته} التي كانت سكناً له وكان يحبها وربما قدمها على أبويه {وأخيه} الذي كان شقيقه وناصره {وفصيلته} من عشيرته الأقربين {التي تؤويه} وتضمه إليها {ومن في الأرض جميعاً} من أولي العقل {ثم ينجيه} هذا الافتداء. في المجمع حدثنا السيد أبو الحمد قال: حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني وساق السند عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: "لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، طار ذلك في البلاد فقدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم النعمان بن الحارث الفهري. إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا).. والدعوة إلى الصبر والتوجيه إليه صاحبت كل دعوة, وتكررت لكل رسول, ولكل مؤمن يتبع الرسول. فحقيقة الآخرة هي الحقيقة الرئيسية فيها. وفي المجمع روى أبو سعيد الخدري قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أطول هذا اليوم فقال: "والذي نفس محمد بيده إنه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا"]. فقوله: {إنها لظى} أي نار صفتها الاشتعال لا تنعزل عن شأنها ولا تخمد، وقوله: {نزاعة للشوى} أي صفتها إحراق الأطراف واقتلاعها لا يبطل ما لها من الأثر فيمن تعذبه. وقد تعني حقيقة معينة, ويكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة من سني أهل الأرض فعلا وهو يوم واحد! ولكن تقدير الله غير تقدير البشر, ومقاييسه غير مقاييسهم: من الاية 4 الى الاية 5.

فضلا على أنها توجيهات دائمة لعلاج النفس الإنسانية في كل بيئة. فأما هنا في هذه السورة فالهول يتجلى في ملامح النفوس وسماتها وخوالجها وخطواتها, أكثر مما يتجلى في مشاهد الكون وحركاته. وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ. قال الحكم: كان عبد الله بن عكيم لا يربط كيسه ويقول سمعت الله يقول: وجمع فأوعى. وفي هذه السورة إشارات أخرى تفيد هذا المعنى, وتؤكد ملامح البيئة المكية التي كانت تواجهها الدعوة. فإن يومنا الأرضي هو مقياس مستمد من دورة الأرض حول نفسها في أربع وعشرين ساعة. ، ومن المحتمل أن يتعلق بقوله: {بعذاب}. وهي تلم - في طريقها إلى إقرار هذه الحقيقة - بحقيقة النفس البشرية في الضراء والسراء. أقول: ورواه في الدر المنثور عن عدة من الجوامع عن أبي سعيد عنه صلى الله عليه وآله وسلم. ولكننا نذكر هذه الحقيقة لتقرب إلى الذهن تصور اختلاف المقاييس بين يوم ويوم! في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. إشارة إلى شدة اليوم فالإِنسان يومئذ تشغله نفسه عن غيره حتى أن الحميم لا يسأل حميمه عن حاله لاشتغاله بنفسه.

مع تنوع اللمسات والحقائق الأخرى المصاحبة! يا ليتها كانت القاضية.. ). صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى. على أنّ قوله: {فما للّذين كفروا قِبَلك مهطعين} متفرّع على ما قبله تفرّعاً ظاهراً وهو ما بعده إلى آخر السورة ذو سياق واحد فتكون هذه الآيات أيضاً مدنيَّة. وفي هذا اليوم تصعد الملائكة والروح إلى الله. يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وهذا اللون من الصبر هو الجدير بصاحب الدعوة.

ولكنه اليوم إذ تدعوه جهنم لا يملك أن يدبر ويتولى! يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه, وصاحبته وأخيه, وفصيلته التي تؤويه, ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه).. وجهنم هنا "نفس" ذات مشاعر وذات وعي تشارك مشاركة الأحياء في سمة الهول الحي: إنها لظى. ولا يملك أن يفتدي بما في الأرض كله منها! فاصبر صبرا جميلا).. والخطاب هنا للرسول [ ص] تثبيتا لقلبه على ما يلقى من عنت المناوأة والتكذيب. وإذا كان يوم واحد من أيام الله يساوي خمسين ألف سنة, فإن عذاب يوم القيامة قد يرونه هم بعيدا, وهو عند الله قريب.

ففي هذا المطلع ثلاث جمل موسيقية منوعة - مع اتحاد الإيقاع في نهاياتها - من حيث الطول ومن حيث الإيقاعات الجزئية فيها على النحو التالي: (سأل سائل بعذاب واقع. يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ. صورة مبطنة بالهول, مغمورة بالكرب, موشاة بالفزع, ترتسم من خلال التعبير القرآني الموحي. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. فقوله: {كلا} ردع لتمنيه النجاة من العذاب بالافتداء وقد علل الردع بقوله: {إنها لظى} الخ ومحصله أن جهنم نار مشتعلة محرقة للأطراف شأنها أنها تطلب المجرمين لتعذبهم فلا تصرف عنهم بافتداء كائناً ما كان. والمراد بعروج الملائكة والروح إليه يومئذ رجوعهم إليه تعالى عند رجوع الكل إليه فإن يوم القيامة يوم بروز سقوط الوسائط وتقطع الأسباب وارتفاع الروابط بينها وبين مسبباتها والملائكة وسائط موكلة على أمور العالم وحوادث الكون فإذا تقطعت الأسباب عن مسبباتها وزيل الله بينهم ورجع الكل إلى الله عز اسمه رجعوا إليه وعرجوا معارجهم فحفوا من حول عرش ربهم وصفوا قال تعالى: { وترى الملائكة حافين من حول العرش}. على أن سياق الآيات التالية وخاصة قوله: {فاصبر صبراً جميلاً} لا يلائم كون السؤال بمعنى الاستفسار والاستخبار. أولئك في جنات مكرمون). وهو على كل حال ليس أبرز ما في الموقف من أهوال. معارج الملكوت ومقاماتها المترتبة علواً وشرفاً التي تعرج فيها الملائكة والروح بحسب قربهم من الله وليست بمقامات وهمية اعتبارية.

compagnialagiostra.com, 2024